في كل إنسان وُدِع عقل، وفطرة، ونفس. وبين هذه الثلاثة تدور معركة يومية: العقل ينادي بالحكمة، والفطرة تهمس بالصواب، لكن الهوى كثيرًا ما يصرخ بالرغبة، ويُزين لك الطريق الأسهل مهما كان معوجًا.
ومن هنا جاء قول: "كل متبعٍ لهواه، متأخر عن مبتغاه." لأن الهوى، وإن بدا ممتعًا في ظاهره، يقود في الغالب إلى الضياع، ويصرف القلب عن طريق الحق والرضا الحقيقي.
الهوى في ميزان الشرع
الهوى ليس مجرد ميول نفسية عابرة، بل هو ميل النفس عن الحق. وقد حذّرنا القرآن الكريم من اتباعه، لأنه يُضلّ عن سبيل الله، كما في قوله تعالى:
"لَا تَتَّبِعِ الْهَـوَىٰ فَيُضِلَّكَ عَن سَبِيـلِ اللَّهِ إن الذين يَضِلُّونَ عن سَـبِيل الله لهم عَـذَابٌ شدِيد بما نَسُوا يومَ الحِسابَ”
[سورة ص، آية 26]
وقال الحسن البصري رحمه الله:
"ما هوى عبدٌ هوى إلا سقط من عين الله."
ومن هنا نفهم أن اتباع الهوى ليس مجرد ضعف، بل خطرٌ يُهلك القلب ويُفسد العمل، لأنه يقود الإنسان بعيدًا عن طاعة الله، وعن مقاصده الدُنيوية والأُخروية.
بين المبتغى الحقيقي والوهمي
لكل إنسان مبتغى: رضا الله، الجنة، الطمأنينة، أو النجاح في الحياة… لكن الهوى يجعل الإنسان يستبدل الذي هو أدنى بالذي هو خير، فيطلب اللذة العاجلة ويغفل عن العاقبة.
فمن أراد العلم لكن فضّل راحة الكسل، حُرم الفهم.
ومن ابتغى رضا الله لكنه أطاع شهوته، ابتعد عن التقوى.
ومن أراد السلام الداخلي لكنه اتبع الغضب والحسد، ضيّع نفسه.
قال الله تعالى:
"أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَـذَ إِلَٰهَهُ هَوَاهُ وَأَضَـلَّهُ اللَّهُ عَلَىٰ عِلْمٍ وخَتمَ عَلَىٰ سَمْعهِ وقَلبهِ وجَعل عَلىٰ بصَرِه غشـٰوةً فَمَن يَهْدهِ مِنْ بَعْدِ الله أفَلا تَذَكَّـرُونَ"
[سورة الجاثية، آية 23]
كيف ننجو من فتنة الهوى؟
النجاة تكون باتباع نور الوحي، ومجاهدة النفس، والرجوع الدائم إلى الله. ومن الخطوات العملية:
الإخلاص لله في النية والعمل
محاسبة النفس قبل أن تُحاسَب
طلب العلم الشرعي ليهديك إلى الصواب
الصحبة الصالحة التي تذكّرك بالله
الاكثار من الدعاء و الاذكار
وقد أثنى الله على من جاهد هواه ووعده بافضل جزاء فقال:
"وَأَمَّا مَنْ خَـافَ مَقَامَ رَبِّـهِ وَنَهَـى النَّفْسَ عَنِ الْهَـوَىٰ…فَإِنَّ الْجَنَّـةَ هِيَ الْمَـأْوَىٰ"
[سورة النازعات، 40-41]
خاتمة:
عُد الى المبتغى
اعلم أن الهوى بابٌ واسع للضَلال، وأن المبتغى الحقيقي لا يُنال إلا بالصبر والمجاهدة، فكلما قاومت شهوة نفسك، اقتربت من رضا ربك، وكلما اتبعتها، ابتعدت عن المبتغى الأعظم وهو النجاة في الدنيا والفوز في الآخرة، فإن من يسير خلف هواه، يسير خلف سراب لا ينتهي، ويضيع عمره في لهوٍ وغفلة، فيبتعد شيئًا فشيئًا عن مبتغاه، حتى يفيق يومًا فلا يجد من دنياه إلا الحسرة، ولا من آخرته إلا الندامة.
فقال تعالى: "ولو اتبع الحق أهواءهم لفسدت السماوات والأرض ومن فيهن"
[المؤمنون: 71].
فمن خالف هواه، وافق مولاه، ومن وافق هواه، خالف هداه.
جزاك الله خيرا ♡